شغلت قضيةُ الإنسانِ_ جسمِه ونَفْسِه وكيفية الوصول به إلى أعلى درجات الكمال_ الفكرَ الفلسفي منذ القدم؛ فظهر ما يسمى “مفهوم الإنسان الكامل”. هذا المفهوم الذي بلغ أوجه عند بعض الفرق، ومن أهمها الفرقة الإسماعيلية، ولا سيما عند رأسِ أعلامها، أحمد حميد الدين الكرماني، في مسألة الإمامة وحدود الدين، وكذا عند الصوفية، ولا سيما عند شيخهم الأكبر، محيي الدين ابن عربي، الذي كان من أوائل من أطلق على أولياء الصوفية وأقطابها لفظَ الإنسان الكامل. فكانت هذه الدراسة التحليلية المقارنة بين هاتين المدرستين، متمثلة بهذين المفكرين؛ لتبحث في معنى الإنسان الكامل وخصائصه وصفاته وطرق الوصول إليه، ومصادرها عند كل منهما، وتُبيِّنَ مدى التوافق والاختلاف بينهما في “مفهوم الإنسان الكامل”. وقد اتبعت مناهج عدة أثناء البحث من أهمها: المنهج الاستقرائي؛ مِن خلال تَتَبُّعِ آراء كل من المفكرَين فيما يتعلق بمفهوم الإنسان الكامل. والمنهج التحليلي المقارن؛ من خلال إيراد أفكار وآراء كل من المفكرَين في الإنسان الكامل، وتحليلها، والمقارنة بينها؛ للوصول إلى مواضع الاتفاق والاختلاف ومصادر مفهوم الإنسان الكامل عند كل منهما. وقد خلص البحث إلى نتيجة مفادها، أن ابن عربي، أول من استخدم مصطلح الإنسان الكامل، في التاريخ الإسلامي، فيما تشابه مفهومه عنده وعند الكرماني، من حيث اعتبار الإنسان الكامل ثمرة الوجود ومحوره وغايته، فيه معاني التقديس والتمجيد لكونه الواسطة بين الله والعالم، وهو مصدر السعادة والعلم، على أن الطريق لبلوغ مرتبته إما وهبي بالاصطفاء، أو كسبي بالرياضة والعلم. وافترقا في استمداد هذه النظرية فابن عربي استمدها من قيمة الإنسان في القرآن الكريم أما الكرماني فقد استمدها من موروثه الديني الشيعي وإيمانه بعصمة الأئمة.
الملخص : إن قضية الإنسان المثالي جسديا وروحيا وكيفية الوصول إلى أعلى درجات الكمال كانت موضوعا للفكر الفلسفي منذ القدم. وأدى ذلك إلى ظهور مفهوم "الإنسان المثالي". وقد بلغ هذا المفهوم ذروته عند بعض الطوائف، ولا سيما الطائفة الإسماعيلية، مع زعيمها أحمد حامد الدين الكرماني، الذي ناقش مفهوم الإمامة وحدود الدين. وكذلك الحال عند الصوفية، خاصة مع زعيمهم ابن عربي، الذي كان من أوائل من أطلقوا لفظ "أولياء" على الإنسان الوالي. وتهدف هذه الدراسة التحليلية المقارنة بين هاتين المدرستين، ممثلتين بهذين المفكرين، إلى مناقشة معنى الإنسان الكامل، وخصائصه، وصفاته، وطرق الوصول إليه، ومصادره بحسب كل منهما. كما يبحث في مدى الاتفاق والاختلاف بينهما في "مفهوم الإنسان الوالي ".